«فتحة الصدر» مع المواطن

الحكومة قررت منح الموظفين المخاطبين وغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية علاوة غلاء استثنائية قدرها 7% تضَم إلى الراتب الأساسى، وذلك إلى جوار العلاوة الدورية التى ينص عليها القانون (7% أيضاً)، بما يصل بالحد الأدنى لمجموع العلاوتين إلى 130 جنيهاً. الخطوة جيدة بغض النظر عن الجدل الذى يثيره البعض حول قدرة الزيادة الجديدة على مقابلة الارتفاعات غير المسبوقة فى أسعار الغذاء والكساء والدواء والتعليم وخلافه، لكن يبقى أن «شىء خير من لا شىء». ثمة توجس من مسألة أخرى لا تتعلق بقيمة الزيادة، أو قدرتها على مساعدة المواطن على التكيف مع الأسعار الجديدة. المسألة ببساطة تتعلق بالزيادات الجديدة التى يمكن أن تطرأ على الأسعار فى شهر يوليو القادم، وهو نفس الشهر الذى سيبدأ معه صرف الزيادة الجديدة.

ذكرت لك ذات مرة أن المواطن المصرى أصبح محل «صعبانيات» المسئولين داخل صندوق النقد الدولى، بعد الزيادات المتوالية فى الأسعار عقب الإجراءات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة، وعلى رأسها تعويم الجنيه، وخفض الدعم على الخدمات الحكومية، وما ترتب عليه من ارتفاعات غير مسبوقة فى معدلات التضخم، إلى الحد الذى أكد معه مسئولون بالصندوق أنهم أخطأوا التقدير، حين جارَوا حكومة إسماعيل فى توقعاتها بأن يثبت سعر الجنيه أمام الدولار عند مستوى عادل ومعقول. هذه «الصعبانيات» هى التى ساقت مسئولى الصندوق إلى نصح الحكومة بتقليل معدلات التضخم ومعالجة آثاره قبل التدخل بإجراءات جديدة، وبلغ الأمر حد التلميح بموافقة الصندوق على تأجيل القرار المزمع اتخاذه فى يوليو القادم برفع سعر البنزين والسولار والغاز. ما يخشاه المواطن حقيقة بعد قرار الزيادة فى المرتبات مع مقدم يوليو القادم أن تفى الحكومة بوعيدها فتدهمنا بموجة جديدة من ارتفاع الأسعار، وعلى رأسها أسعار المشتقات البترولية، بما لذلك من تأثيرات على رفع أسعار جميع السلع والخدمات.

مؤشرات عديدة تقول إن الحكومة مصرّة على استكمال المشوار الذى بدأته بالتخلص الكامل من الدعم، وتنفيذ ما تطلق عليه برنامجها فى الإصلاح الاقتصادى، ذلك البرنامج الذى لم نرَ منه حتى الآن سوى مجموعة من القرارات التى تؤدى إلى شفط جيب المواطن ومص دمه، فى وقت تقف فيه الحكومة مكتوفة اليدين أمام قراصنة الفساد والاحتكارات التى تستكمل التهام المواطن، بعد ما تأكل الحكومة ما شاءت منه. لو كانت الحكومة تفكر فى أن تكون الزيادة الجديدة فى المرتبات عوضاً عن قرارات جديدة ستتخذها برفع الأسعار فالخير أن تحتفظ بزيادتها لنفسها وتترك المواطن لأقداره، فليس من المنطق أن تعطى الحكومة المواطن 130 جنيهاً، وتستردها منه أضعافاً مضاعفة. ومن المهم التنبه فى هذا السياق إلى أن الزيادة سوف تلحق بمرتبات الموظفين، وعددهم لا يزيد على 7 ملايين موظف، أما باقى المصريين فدخولهم ضامرة منكمشة، بل وتزداد انكماشاً يوماً بعد يوم.

نصيحة واجبة للحكومة: «بلاش فتحة الصدر دى مع المواطن». المواطن دخل منذ أواخر نوفمبر الماضى -تاريخ تعويم الجنيه- مرحلة يمكن وصفها بالاشتعال الذاتى جراء الارتفاعات المتوالية فى الأسعار، العقل يقول ألا تتخذ الحكومة قرارات تزيد من حالة الاشتعال، فمغبة ذلك ستكون خطيرة كل الخطر، ووقتها لن يغنى الحذر عن قدر رسمته الحكومة بأصابعها.
 

التعليقات