قرار جرىء.. و «تحدِّى»!

قرار جرىء اتخذته الجمعية العمومية لمجلس الدولة باختيار اسم المستشار يحيى الدكرورى بمفرده، لإرساله لرئاسة الجمهورية لاختيار رئيس مجلس الدولة الجديد.

لعلك تعلم أن التعديل الذى قرره مجلس النواب وصدّق عليه رئيس الجمهورية مؤخراً بشأن قانون السلطة القضائية ينص على قيام الهيئات القضائية بترشيح ثلاثة من بين أقدم 7 من القضاة بكل هيئة ليتولى رئيس الجمهورية اختيار رئيسها من بينهم.

لا يخفى عليك حالة الغضب التى انتابت القضاة جراء هذا التعديل، وكان من المتوقع أن يكون لهم رد يعبر عن رفض هذا القانون، البعض قدّره فى جمعية عمومية استثنائية يعبر فيها نادى القضاة عن رفضهم للقانون، أو اللجوء إلى المحكمة الدستورية للطعن بعدم دستوريته، كل ذلك لم يحدث، وجاء الرد من مجلس الدولة على النحو الذى حدث، وهو يحمل رسالة واضحة المعنى للجهة المسئولة عن الاختيار، ملخصها: «التعديل مرفوض.. ونحن متمسكون بالأقدمية فى التعيين».

القرار لا يخلو من التحدى، والإصرار على اسم المستشار «يحيى الدكرورى» يمنحه زخماً أكبر على هذا المستوى، فبغض النظر عن أقدميته وأحقيته فى تصدر قائمة الترشيح، ينظر البعض إلى المستشار الجليل كسر من الأسرار التى دفعت السلطة بجناحيها إلى الإصرار على هذا التعديل.

فقد ردد بعض القضاة فى مدار تعليقهم على التعديل الجديد أنه صُنع خصيصاً لـ«الدكرورى» بسبب موقفه من قضية تيران وصنافير، حين حكم بمصريتهما بناءً على ما توافر أمامه من وثائق. هل يمكن أن يؤدى هذا القرار القائم على تحدى التعديل إلى تحدٍّ مقابل من السلطة التنفيذية، فيلجأ الرئيس إلى اختيار رئيس مجلس الدولة من بين أقدم 7 من قضاته؟ تقديرى أن قراراً من هذا النوع سيضاعف من الأزمة وسوف يجعلها تأخذ منحى آخر.

فالمؤكد أن ترشيح اسم «الدكرورى» بمفرده يعنى موافقة كل الأعضاء الذين كان يصح اختيارهم فى القائمة الثلاثية من بين أقدم 7 قضاة على الدفع باسمه منفرداً، ويعنى ذلك ببساطة أن اتخاذ قرار باختيار غيره قد يقابل بالرفض، ليس من جانب عمومية مجلس الدولة فقط، بل من الوارد أن يتم رفضه من الشخص الذى سيتم اختياره كبديل لـ«الدكرورى».

نحن أمام أزمة صريحة بدأت تأخذ منحى خطيراً، وفى ظنى أن التعامل معها بمنطق العناد سيؤدى إلى تفاقمها. مجلس النواب عاند القضاة، ولم يلتفت إلى إصرارهم على رفض التعديل، فشرّع التعديل رغماً عنهم، ولم يمض على موافقة النواب على التعديل 24 ساعة حتى بادر رئيس الجمهورية إلى التصديق عليه، وقوبل ذلك بإصرار أعنف على الرفض من جانب القضاة حتى وصلنا إلى القرار الأخير. أسلوب فرض الأمر الواقع الذى انتهجته السلطتان التشريعية والتنفيذية قوبل بالمثل من القضاة.

نحن أمام مشهد للصراع بين السلطات لم نعشه من قبل، وليس من حل لهذه المشكلة سوى التفاهم والاستيعاب، المزيد من العناد قد يؤدى إلى ما هو أخطر. يصح أن يحصل الإنسان على شىء ويترك شيئاً، أما الاستئثار بكل شىء فيتناقض مع قوانين الحياة. رحم الله «صلاح جاهين» حين قال: «ما حد يقدر يبقى على كل شىء.. مع إن عجبى كل شىء موجود»!

التعليقات