بلدى أوى يا حسين..!

تعدادنا مستقبلنا.. هل تذكر ذلك المشهد من فيلم «إشاعة حب»، عندما حاول عمر الشريف مجاملة أم الفتاة التى يُحبّها ويثبت لها أنه أصبح «جنتلمان»، فقال لها بعد أن أهداها «باقة زهور»، وتبعها وهى تصعد السلم، فقال لها «يا أرض اتهدى ما عليكى أدى»، فعلقت ضاحكة: «بلدى أوى دى حسين!». تذكرت هذا المشهد وأنا أتابع أغنية «تعدادنا مستقبلنا»، التى تغنّى بها مجموعة من الأطفال والشباب عبر البث التليفزيونى للدورة الثالثة لمؤتمر الشباب. سبقت الأغنية مجموعة من التعليقات لنجوم إعلام وفن يبعثون برسالة انتماء وتعبئة إلى الشباب. لا بأس!.. من حق كل شخص أو جهة أن تجتهد بالطريقة التى تريدها، لكن يبقى أن ثمة أساليب وطرقاً مجربة فى معالجة مشكلات لم تجد فى حلها شيئاً، وبالتالى يبدو الاعتماد عليها من جديد أمراً مثيراً للتعجّب.

هل مشكلة الانفجار السكانى التى تُلمح إليها الأغنية يمكن أن تُحل بهذه الطريقة؟ لو كان ذلك كذلك لأفلحت الفنانة «فاطمة عيد» عندما شدت بموال «حسنين ومحمدين»، فى السبعينات من القرن الماضى، ذلك الموال الذى كان نسل المصريين يزيد على أنغامه، ولو كان النجوم يؤثرون، لأفلحت المرحومة كريمة مختار فى الحملة الإعلامية التى شاركت فيها لتنظيم الأسرة. المسألة أعقد من ذلك، وتجربة ما ثبت فشله وأهدرت فيه أموال كثيرة، تعنى إصراراً على الفشل. أرجو ألا يُفهم من ذلك أننى أُقلل من خطورة مشكلة الانفجار السكانى، لكننى أتحفّظ على طريقة فهمها وأسلوب التعامل معها. نحن أمام مشكلة معقّدة الأسباب، فوراءها تكمن ثقافة اجتماعية، وفقه دينى، وظروف اقتصادية، وعادات أسرية، تفرض على من يتصدى لها درجة أكبر من العمق فى التفكير، وإبداع أكبر فى التماس وسائل حلها، خصوصاً إذا كان سياق توظيف أغنية «تعدادنا مستقبلنا» مؤتمراً شبابياً شعاره «ابدع.. انطلق»!.

إنتاج الأغنية يشهد على تقليدية وقدم من يقف خلفها، فقد سلك المسلك نفسه، الذى عِشناه قبل ثورة يناير، فالتقط اهتمام الرئيس بالتعداد، وزيارته إلى الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، الذى يتولى إعداده، وأنتج الأغنية، فجاءت أشبه بالمنشور السياسى الدعائى، وليس بها أى «رائحة للفن»، وبالتالى فقد قلد القديم بطريقة ركيكة، لأنك لو استمعت إلى موال «حسنين ومحمدين» فستجد فيه كلمة ولحناً وشدواً. ويردنا إصرار القائمين على أمر البلاد على التماس الطرق التقليدية نفسها فى التعامل مع المشكلة السكانية، إلى «الفكر القديم» ذاته، الذى سئمناه.

لعلك تذكر أن الرئيس الأسبق «مبارك» لم يكن يفوت مناسبة، وإلا ويعاير فيها المصريين بزيادة الإنجاب، ويتحجّج بها فى سياق تفسير عجز البلاد عن النمو، وعجز السلطة عن حل مشكلات الشعب. التعامل بالأسلوب ذاته يعنى أن السلطة الحالية تتعامل مع هذا الملف بمنطق «تجريب المتجرب»، وأخشى أن أقول إن هذه الطريقة فى التفكير والأداء تؤشر إلى أنها لا تريد حل المشكلة، بل تبغى الاحتفاظ بها!. فماذا يعنى إعادة استخدام العلاج الفاشل نفسه فى علاج مرض، سوى الرغبة فى استمرار «الوجيعة»؟. تلك «الوجيعة» التى تُستخدم بعد ذلك كوسيلة لمعايرة الشعب.. هذا الغناء لم يعد يُطرب أحداً.. وابقوا قابلونى فى «المهرجان»!.

التعليقات