في "التوق" الي البهجة ..

ما كانت امي تعرف شيئا عن " المفرحات الربانيات " ، ومع ذلك كانت حالة " الدوبامين" بتاعنا كلنا ، عشرة علي عشرة ..! اطباق الفول والشكشوكة ، وتل بيض ملون ، وقالب فسيخ ، و زيه رنجة ، و حزم " الملانه " ، والبصل الاخضر ، و صوت فريد الاطرش " آدي الربيع عاد من تاني" ، وبيت "يشم النسيم" ،،وكل شئ فيه " يبرق " من دقة تنظيفه و ترتيبه ، بحيث يليق باستقبال الربيع .. كانت بهجة بلا حدود ، يصحبها عملية انزال اللبس الصيفي و تخزين اللبس الشتوي ، لم يكن من الممكن السماح بلبس الصيفي حتي لو درجة الحرارة اربعين ، قبل شم النسيم ولو بيوم ، تصيف مع عساكر البوليس ، و بشاير ورق العنب والملوخية الخضرا ، ، غالبا ورق عنب بناتي الكيلوكان لا يقل عن ثلاثة قروش ! . الشئ الوحيد المتعب وقتها ، كان المنافسة بين عبد الحليم حافظ وفريد الاطرش ، ليلة شم النسيم ، كل منهما كانت له حفلة ، مذاعة، تسهر حتي الفجر ، مما يولد انقساما مجتمعيا في بيتنا ، قد يهدد " المفرحات الربانية " كل سنة .. حيث تتباين الانحيازات مابين اغلبية تناصر " حليم" ، واقلية " أموية " تملك سلطة تغيير المؤشر، مؤشر الاذاعة في اتجاه فريد الاطرش..لكن ذلك لم يكن يمس لا " المفرحات الربانية " و لا حالة " الدوبامين " ! حين دخلنا مرحلة" الد نيا ربيع ، و الجو بديع ، وقفلي علي كل المواضيع " ، مع سعاد حسني و حسين فهمي ،و قصية " زوزو " ، كانت قد صارت لنا بيوتا ، و حملنا علي الاكتاف، مسئولية " توفير المفرحات الربانيات " و مراعاة " الدوبامين " وهدهدته والطبطبة عليه .. و اضفنا، تحت ضغط التغيرات التي لحقت ، بنا مع الانفتاح ، افطار النوادي مع العيال ، و السفر ولو يومين ، و كله في سبيل سلامة " الدوبامين " !! الموسيقي والغناء من اقوي علامات البهجة في لك الايام .. من اول حفلات الاذاعة وحتي الرقص في الشوارع والحدائق وعلي الكورنيش ، وفرق الموسيقي ، طبله واوكورديون وناي علي
صفحة النيل نفسه .. ، بالمناسبة مصر عرفت الرقص منذ حضارة نقادة ، يعني قبل عصر الاسرات .. وتغلغل الرقص وبهجة الموسيقي ، في تارخنا القديم كان برعاية الدين و بفضله ، بل كان جزء من الشعائر في المعابد ، حيث يرقص الرجال والنساء .. رقص المصريون في كل الاوقات حتي مع الموت و ظلت الموسيقي مرافة لتعبير المصريين الحياتي والديني حتي جري ما جري و دخلنا مرحلة " الدق علي الدفوف!! .
في يوم صحو ، اعتقد انه كان شم نسيم ، اول السبعينات قررنا مجموعة " مجلة صباح الخير" التي اعتبرها مجموعة استثنائية مهنيا وانسانيا ، قررت " ان نؤجر شاليه في صحاري سيتي و ان نفرح ، من رئيسي التحرير حسن فؤاد ولويس جريس ، الي زملائنا عمال البوفيه وعلي راسهم عم حسين ، الاقدم ، الذي عاصر الاستاذ احسان والست روزا ، و الكاتم لحكايات لم تكتب ، مرورا بالا صدقاؤ والاساتذه رؤوف توفيق ومنير عامر وصبري موسي و و درية الملطاوي ومدت السباعي و كريمة كما ل و منير مطاوع و فاطمة العطار و زينب صادق و الفنانين تاد ومحسن و الليثي ورمسيس ، و اعتذر عمن لم تسعفني الذاكرة باسماءهم . حمل عم حسين الصواني و عدة الشوي، وحلل للحم المتبل وصعدنا .. حين اتوق " للبهجة "ارتمي في حضن يوم كهذا اليوم .. اتصور اننا ضربنا فيه رقما قياسيا في " تنشيط المفرحات الربانية " و احس ان " الدوبامين " بشبكاته الكامنة في مخ كل واحد منا ، راحت تلهث من قوة و غزارة ، ما زخته في اوصالنا من بهجة وسعادة، وضحكات ، حتي صدقت ان الواحد ممكن يموت من الضحك ! المهم، المفروض ، و قد طال الموضوع يا عزيزي القارئ ، ان تعلن العصيان وتتوقف عن القراءة و تجعلني في مواجهة اختيارين لا ثالث لهما : اما ان اعرفك علي " الدوبامين " او اوقف كتابة ، وكفاية ، وكل واحد يروح لحاله ! طيب يا سيدي .. حقك ان تسالني عن "المفرحات الربانية "، قبل ان يستوقفك " الدوبامين " الذي اكتشفت هذه الايام انه صار مضطهدا اضطهادا، ي هدد ليس فقط سريانه ، ولكن وجوده اصلا ! لكن قبل ان اجيب اسألك :
لماذا لم تعد نفس الطقوس حتي وان حافظنا عليها ، تأتي بنفس تلك الشهية المفتوحة للحياة ؟ في البداية ممكن تتصور انه " السن " ، او "الزمن "، تلك الشماعة التي في المتناول و التي لا يحاسبنا عليها احد ، اليس هناك هاجس ما ، يجعلك تكاد تتيقن من ان"البهجة "، ليس مصدرها نوع الفسيخ ، الذي كسر سعره حاجز المائتين وخمسين جنيها ، ولا حتي اختفاء حزم " الملانة " الخضراء بحباتها الطرية ( الملانة نبات طويل ينتهي بحبات كالحمص الاخضر، او هي حمص اخضر ) من الشوارع ... وانه هناك ظلال ، او غلالة . لا تجعلك ،،حتي مع اكتمال الطقس ، من رنجة وبصل ولمة ، " تقفش " نفسك متلبسا بالشعور بالسعادة ؟
اقولك يا سيدي ، واطلب معايا السماح لاستاذنا الدكتور احمد عكاشه الذي فتح اعيننا علي ان الشعور بالسعادة، في اغلبه صناعة " قطاع عام ، وان شح البهجة من الاسواق ، لا يعالجه احمد عكاشه بذات نفسه ولا غيره من اطباء النفس ،، و ان المسئول عنه اصحاب القرار السياسي وان عليك ان اردت اقتفاء اثر "البهجة " ،ان تقتفي معها ما يحدثه داخلك ،،مجلس النواب من اثر ، و اصوات مذيعي "الخطابة " المدرسية علي الشاشات و سعر كيلو الليمون ابو عشرين جنيه و ... اعلم ، اعانك الله ، ان الله سبحانه وتعالي قد خلق داخل كل منا " منظومة " ، منظومة ربانية وظيفتها انها "تفرح النفوس ".. منظومة كيمائية موجودة في المخ ، مسئوليتها الاساسية ان تملأ نفس حضرتك" بالبهجة" ، و جعل "للبهجة "مسئول اول ، او رئيس قسم اسمه " الدوبامين ' ..هو المسئول الاول عن " البهججة ". كل ما يبهجك ويسبب لك متعة و انسجاما ، يتوقف علي هذا " السيد" و مراكزه العصبية المنتشرة في المخ ..يقولك الدكتور احمد عكاشة ان حالة او مؤشر " رئيس قسم البهجة في المخ " " الدوبالين" ينخفض او يرتفع و تظهر البهجة او تختفي ؟ مع صحبة سيئة ، مع استبداد ديني او سياسي، مع الاغتراب والعزلة و غيره .. كيمياء الحب تتوقف علي " الدوبالين"'، و بالمناسبة هي غير كيمياء الزواج التي تعتمد علي موثل عثبي اخر اسمه " الاكسيتوسين " المسئول عن الرحمة والمودة و العشرة .. "البهجة " و البهججة كلها ، لما يتحد الدولالين مع الاكسيتوسين ( الزواج الناجح ) .. الافراز الرباني المطمئن يزيد في مناخ الحب والتسامح .. و ربك العالم بالحال وضع في رءرسنا " مفرحات النفوس" .. مطمئنات و مهدئات لنتكيف مع ضغوط الحياة ، و قد ثبت انه مع افتقاد الانسان للامل والحرية و مناخ الابداع ، لا تعمل هذه المطمئنات الربانية كما ينبغي ، لذلك لجأت بعض الدول علي النص علي ان " البهجة " جزء من حقوق مواطنيها و ان سعادة المواطن من مسئوليات الدولة ، آه والله زي ما بقولك كده ، يعني الدولة عليها تشيل هم " مفرحات النفوس " التي وضعها الله في الانسان من خلال اكله وشربه وسكنه و تأمينه وتعليمه ، لا وايه بيقولك ان ٣٠ بالمائة من حلاوة الدنيا او " جودة الحياة " تعتمد علي :( شوف المفاجأة ) علي حرية الرأي وعدم الالتزام بفكر واحد ! من الدول التي ينص دستورها علي مسئولية الدولة في بهججة المواطن: امريكا ، ساركوزي كان اقترح في حملته الانتخابية اضافة عامل " السعادة " الي احصائيات النمو الاقتصادي والاجتماعي ، لكن لم يستطع .. الوحيدة التي لديها قياسات بهجة ، مملكة صغيرة ، " مملكة محندق" فوق قمة الهملايا اسمها مملكة بوتان ، بتقيي الناتج تلقومي الكلي للسعادة ! بيقولك سيك من قياسات الناتج القومي و المشروعات ، ركز علي التعليموالصحة والسكن والعدل والشفافية المساءلة ، هذا من اكثر ما يمكن ان يجعل المرحات الرانية في داخل كل واحد منا عفية ومستعدة لتحريك " الدوبالين" .. ! بيقولك ان المستقبل القريب حايكون " مقياس البهجة " هو المعتمد و ليس ارقام رجال الاقتصاد و السياسة و خللي بالك ان البهجة معدية والسعادة معدية ، يعني الشعوب تصاب بحماس ينتقل بين افرادها بالعدوي ، وتفقد ه ايضا بالعدوي .. راقب مباراة قومية ، شوف كيف ينتقل الحماس و الشعور بالسعادة ، وحتي الان العلم لم يحدد بدقة آليات انتقال عدوي البهجة من انسان لاخر ، او الماهية التي يتم بها الانتقال .. بالمناسبة ، في الهند ، اقاموا"، نواد للضحك " ، اعتمادا علي نظرية العدوي .. يعني حضرتك " الدوبالين " عندك بعافية شوية ، و الحكومة منكدة عليك ، تفتح جوجل تشوف اقرب نادي للضحك فين ، تروح مكشر وشايل هموم الزيت والسكر ومصاريف المدارس وتعويم الجنيه والمعاش اللي اصبح ميت دولار بعد خمسين سنة خدمة ، تدخل النادي .. تسمع اول ضحكة .. التانية حا تلاقي نفسك دخلت في مود بهجة وسعادة و هات ياضحك .. تاخد الجرعة وتخرج ، بهجة مؤقتة ، زي التنفس الصناعي .. بيقولك لابد من قياس الرضا وجودة الحياة في المجتمع قبل الاشادة بارقام الناتج القومي ، وان جودة حياة المواطن هي الاساس والسبب اللي علي اساسه ينتخب رجال السياسة و الافتصاد ، وليس ما يحققونه من ارقام ، لان راس المال البشري هو الثروة القومية الاولي لاي بلد .. جودة الحياة ليست مرادفة للثروه ، و تأكد ان . الارفام لا تضفي علي الحياة جودة ، الا لو مست و حركت " مفرحات النفوس الربانية " !"
الطقوس " لا تصنع سعادة في الحياة ، و حتي في النواحي الايمانية ، الطقس و ممارسته ، لاتضمن وصولك للجوهر
ماهي ..البهجة و ما معني السعادة ؟
السعادة ابه هي السعادة .. قل لي يا صاحب السعادة " ، هذا مونولوج لاسماعيل ياسين ..فكرت ان اختبأ وراءه لما عرفت انه المفروض ان اكتب مقالا "مبهجا "،يناسب " شم النسيم ".. وكانت الخيارات مفتوحة
.. .فغلبني الشوق .. وغلبني ،

التعليقات