المؤامرة

فى لقاء تليفزيونى حديث لى، حول تقييم التأثير الذى يترتب على المناقشة الإعلامية المستفيضة للنواحى السلبية فى حياتنا، أثار محاورى، وكذلك بعض المستمعين الذين تدخلوا للتعليق على النقاش، مقولة أن مصر تتعرض لمؤامرة، باعتبارها مسألة بدهية لا تحتمل الإنكار. إنها فكرة شائعة لدى جمهور واسع من المصريين، سواء أكانوا من الفئات العليا والمتعلمة، أو من الفئات الدنيا وغير المتعلمة.

فإذا سألت: ومن هم أطراف تلك المؤامرة؟ فإن الإجابة غالبا سوف تكون أنهم أولا إسرائيل والصهيونية العالمية، وثانيا أمريكا، وثالثا المنظمات الدولية «المشبوهة» وفى مقدمتها منظمات حقوق الإنسان التى تمول جمعيات حقوق الإنسان فى مصر وتغدق عليهم أموالاً كثيرة!... فهل هذا صحيح؟

وما السر فى هذا الشعور العام وبوجود تلك المؤامرة؟ من الناحية النظرية من الممكن بالطبع أن تتآمر قوى خارجية على بلد معين لأسباب ومصالح كثيرة، مثلما تآمرت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لتدبير العدوان الثلاثى فى أكتوبر 1956 على مصر، انتقاما من تأميم جمال عبدالناصر لقناة السويس، ومثلما تتآمر اليوم تركيا مع دويلة قطر على مصر، دعما للإخوان المسلمين فى خصومتهم مع الدولة المصرية، وتوفران لهم التمويل والملاذ الآمن. غير أن الإفراط فى فكرة أو نظرية المؤامرة أمر خطير للغاية، وتأثيراته شديدة السلبية على الدولة والمجتمع...

لماذا؟ لأن ذلك سوف يؤدى بالضرورة إلى أن نعزو كل مشاكلنا وأخطائنا وعيوبنا إلى المؤامرات التى تحاك ضدنا، وذلك منطق كارثى ضار ينبغى أن نقلع عنه، لأنه يؤدى تلقائيا إلى إعفاء أنفسنا- كشعب وكدولة- من المسؤولية الأساسية والأولى عن نواحى القصور العديدة فى حياتنا. إن الأمية المتفشية فى بلادنا ليست نتيجة مؤامرة علينا، ولكنها نتيجة لتقاعس نظم حكمنا المتوالية فى مواجهتها بشكل جاد وحاسم، وقصور التعليم وتدهوره وتدنى الخدمات الصحية للمواطنين ليست أبدا نتاج مؤامرة خارجية علينا، ولكنها نتاج منطقى لفشل نظمنا السياسية منذ عقود طويلة فى تحديد أولويات العمل الوطنى! والمظاهر الشائعة للقذارة وانعدام النظافة واللامبالاة فى مواجهتها فى الغالبية العظمى من قرانا ومدننا ليست إطلاقاً مؤامرة خارجية، ولكنها للأسف الشديد نتاج للإهمال وعدم الاكتراث والفساد الذى ينخر فى أجهزتنا المحلية، فضلاً عن سلوكياتنا السلبية التى لم نهتم بمواجهتها فى قرانا وفى مدننا على السواء. وعلى هذا المنوال يمكن أن نتتبع مظاهر وسلوكيات وسلبيات عديدة ليست أبدا نتاجا لمؤامرات خارجية، ولكنها نتاج سلوكياتنا وعيوبنا ونواحى قصورنا، علينا أن نعترف بها ونواجهها بدلا من أن نعفى أنفسنا من المسؤولية، لأنها «مؤامرات خارجية»!
** نقلا عن المصري اليوم

التعليقات