في ذكرى وفاته.. أسامة أنور عكاشة «من معانقة الحلم إلى مكابدة الواقع»

لحظة واحدة كانت فاصلة بين الموت والحياة.. جسده منهك رفض أن يستجيب لتوسلات الأجهزة الطبية، لم يتوقف أمام الدموع التى حفرت مجراها على وجوه الأصدقاء، أو الغصة التى أثقلت قلوب العائلة.. لم يكمل عامه الـ69، عندما تحررت روحه من كل القيود المادية.

الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة الذي يحل اليوم ذكرى وفاته، فهو ينتمي لعائلة متوسطة يعمل ربها فى التجارة، ولد «أسامة» عام 1941 فى طنطا، وانتقل بعد ذلك إلى كفر الشيخ، لم يتم عامه السادس حتى تذوق المرارة الأولى بفقدان والدته، ليحفر اليتم جرحاً غائراً فى قلب الطفل الصغير.

ظل الكاتب الراحل يعانى منه طوال حياته، وجعل منه طفلاً منعزلاً يهرب من الجميع بالقراءة، ما ساهم فى تأسيس وجدانه، وأضحى بمثابة البذرة الأولى فى شخصية كاتب سيصبح من الرواد بعد سنوات، لم يجد الحنان الذى يبحث عنه فى شخصية والده الصارمة، لكن عوضته عنه زوجة أبيه التى تربى لديها خلال فترة طفولته، حياة عامرة بالآلام والانتصارات صنعت منه «حكواتى» من طراز خاص.

قادت الصدفة «عكاشة» إلى الدراسة فى قسم علم النفس والاجتماع، فى كلية الآداب، ليتعرف هناك على عبدالقادر القط وعز الدين إسماعيل، حيث كان لهما دور فى توجيهه إلى الكتابة بعد ما لمسا الموهبة التى يمتلئ بها الشاب الصغير، الذى عمل بعد تخرجه أخصائياً اجتماعياً فى مؤسسة لرعاية الأحداث، وتنقل بعدها فى مجموعة من المهن الأخرى، فكانت بمثابة فترة يستطيع فيها التعامل مع قطاع أوسع وفئات مختلفة من البشر يختزنها فى ذاكرته ويستدعيها عند الحاجة ممزوجة بإبداعه.

ينتمي أسامة أنور عكاشة لجيل الستينيات الذي ترعرعت ذائقته الأدبية على كتابات نجيب محفوظ، يقول عكاشة في أحد حواراته «أنا وكل كتاب جيلي خرجنا من عباءة نجيب محفوظ» في رأيي أعمال عكاشة هي المعادل الدرامي لأدب محفوظ. جيل الستينيات الذي انتمى له عكاشة هو ابن التجربة الناصرية التي كانت أهم إنجازاتها في رأي عكاشة هي المكاسب الاجتماعية وإفراز طبقة وسطى جديدة. وفي سبعينيات الانفتاح سلبت هذه المكاسب وتآكلت الطبقة الوسطى ربما بدءًا من انهيار أحلامها في 1967 وانفراط عقد المشروع الناصري. وراح ذلك الجيل الذي ينتمي بالأساس إلى الطبقة الوسطى يعكس بكتاباته هذا التحول بين الحقبتين وينقد بها طبقة الأغنياء الجدد التي صعدت إبان سنوات الانفتاح ويرصد أحوال الطبقة الوسطى في ذلك العهد.

 

كانت هذه التجربة والتحول بين «معانقة الحلم إلى مكابدة الواقع» -على حد تعبير صلاح عيسى- هي التي أفرزت جيل الكتاب والمخرجين السينمائيين الذين شكلوا ما عُرف بالواقعية الجديدة.

 

كان عكاشة أحد هؤلاء الكتاب ولكنه ركز كتابته للدراما التلفزيونية. قدم أعمالًا بعضها تطرح بصفة أساسية تساؤلاته عن الهوية كمسلسل «أرابيسك»، والبعض الآخر يقدم عرضًا بانوراميًا لحقبة زمنية كملحمته «ليالي الحلمية».

التعليقات