محمد متولى الشعراوى.. إمام الدعاة


على كرسى وثير، مزين بفن الأرابيسك الأصيل، يجلس الشيخ إلى جوار محراب المسجد، يحرك جسده يميناً ويساراً مع كل جملة ينطق بها، يعتدل فى جلسته تارة، وينحنى إلى الأمام تارة أخرى، يمسك بيده اليمنى مصحفاً شريفاً، يفتحه على صفحة من سورة البقرة، بينما يسند بالأخرى على جانب الكرسى، تغطى شعره طاقية بيضاء كما لون شعره، بينما تخفى النظارة الطبية ذات اللون البنى عدسات العين المدورة، بين يدى الشيخ يجلس عشرات المصلين ينصتون إليه باهتمام، ويشخصون أبصارهم إلى موضع فمه، ينتظرون كلماته بشغف بالغ، يتنحنح الشيخ، ثم يدقق النظر فى الصفحة أمامه.

 من يجلس أمام الشيخ محمد متولى الشعراوى فى المسجد قليلون جداً، إذا ما قورنوا بمن يجلس أمامه عبر شاشات التليفزيون فى كل أنحاء الوطن العربى قبيل أذان المغرب، وتمتد لما بعد الأذان عندما يعقب عليه قائلاً فى صوت رخيم، يبعث على الراحة والطمأنينة «اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة، وابعثه اللهم المقام المحمود الذى وعدته، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم».

الشيخ الشعراوي والذي يحل اليوم ذكرى وفاتته، من مواليد قرية دقادوس مركز ميت غمر محافظة الدقهلية فى 15 أبريل عام 1911، وحفظ القرآن الكريم فى الحادية عشرة من عمره. والتحق بمعهد الزقازيق الابتدائى الأزهرى عام 1922، وأظهر نبوغاً منذ الصغر فى حفظه للشعر والمأثور من القول والحكم، بعد حصوله على الابتدائية دخل المعهد الثانوى، وزاد اهتمامه بالشعر والأدب، وحظى بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيساً لاتحاد الطلبة، ورئيساً لجمعية الأدباء بالزقازيق.

 إصرار والد الشعراوى على إلحاقه بالأزهر الشريف بالقاهرة كانت نقطة تحول فى حياته، رغم عدم ميله لذلك فى بادئ الأمر، ثم التحق الشعراوى بكلية اللغة العربية عام 1937 وبسبب انشغاله بالحركات الوطنية المعادية للإنجليز تعرض للاعتقال أكثر من مرة، ثم تخرج عام 1940م، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943 ثم عين بالمعهد الدينى بطنطا، ثم الزقازيق والإسكندرية، وبعد خبرة طويلة انتقل الشعراوى للعمل فى السعودية أستاذاً للشريعة فى جامعة أم القرى، وبسبب الخلاف السياسى بين مصر والسعودية عاد الشيخ من هناك، وانتقل إلى الجزائر، ثم عين وزيراً للأوقاف عام 1976، شغل الإمام عدة مناصب دينية وسياسية، ونال أرفع الجوائز والأوسمة، لكنه تخلى عنها جميعاً فيما بعد، ورفض تولى مشيخة الأزهر، ليتفرغ للدعوة وخواطره حول آيات القرآن الكريم، التى كانت تذاع على التليفزيون المصرى قبل سنة 1980 حتى وفاته فى 17 يونيو 1998، بوفاة إمام الدعاة لم ينقطع عمله وصلته عن الدنيا بسبب علمه وإرثه الإيمانى الكبير الذى ينتفع المسلمون به فى شتى أرجاء الأرض.

التعليقات