«هى فوضى».. في إعلانات ودراما رمضان

رغم أن شهر رمضان الكريم هو شهر التوبة عن الأخطاء السابقة ومحاولة الرجوع إلى الحق، إلا أن ذلك لا ينطبق على مجال الإعلان والمسلسلات الدرامية والبرامج الترفيهية، التي فاقت أخطاءها كل الحدود، في العام الحالي.

أصبح رمضان هو شهر الفوضى الإعلامية بجدارة، مع غياب تام للحس الإجتماعي العام، الذي يحمي المجتمعات المتحضرة من السلوكيات الشاذة والسخيفة والوضيعة.

وبنظرة سريعة على عالم الإعلانات التي تقتحم البيوت بدون استئذان وبلا «إحم أو دستور»، سنجد مخالفات بالجملة للذوق العام، ومواثيق الشرف.. وكان شهر رمضان الماضي، قد شهد أزمة أثارها إعلان إحدى شركات الملابس الداخلية وتسبب في حالة جدل واسع وبلبلة كبيرة، وهو إعلان «ابن الجيران»، الذي تقرر إيقاف عرضه لما به من إيحاءات جنسية في جزء منه. وتطور الأمر في رمضان الحالي ليظهر لنا إعلان كأنه مقطع من فيلم «بورنو»! بطل الإعلان رجل مع سيدة أخرى في بيت الزوجية، على وقع صوت الضحكات العالية، ويتلعثم هذا الرجل ولا يعرف كيف يرد على زوجته، إلا عندما يصل الأمر إلى ملابسه الداخلية فيرد بكل قوة وشجاعة وحسم.. لقد وصلت المهزلة بالإعلان لعرض فاضح، وإدخاله إلى كل منزل به جهاز تليفزيون.

اما الإعلان التالي، الذي يخالف كافة قواعد الذوق والحس العام، فهو إعلان محل الحلويات الذي يأكل أبطاله الكحك والبسكويت ويتكلمون وفمهم مليء فتكون النتيجة مشهد مقزز للــ «تفتفة». ويصل الإعلان لذروة الخروج عن الآداب العامة حينما يستعرض أحد أبطاله وهو يأكل الكحك أثناء وجوده في الحمام!! هل يعقل هذا يا سادة يا كرام؟

وثالثة الأثافي، هي إعلانات ثنائية الرفاهية والتسول.. فمن يتابع هذه الإعلانات، التي تثير الحقد الطبقي وتؤدي إلى بلبلة الأفكار وزيادة الفجوة بين طبقات المجتمع، سيكتشف أن مصر منقسمة لجزءين: الأول سكان الكومباوندات المرفهين الذين يعيشون وسط الماء والخضرة والوجوه الحسنة الكثيرة من ذوات الشعر الأشقر، والذين يقضون أوقات فراغهم في شواء اللحمة في الطرقات، وأولادهم أصحاب الوجوه النضرة والملابس ذات الماركات الشهيرة..

والجزء الثاني هو الفقراء الذين يتم التسول باسمهم لبناء وتأثيث المستشفيات من أجلهم، أو لتقديم الطعام والملابس لهم، ويعانون من كل أمراض الكرة الأرضية وشكلهم بائس، ووجوههم تبدو عليها ملامح الفقر الشديد. ولايكاد يذاع إعلان عن كومباوند في المدن الجديدة أو الساحل الشمالي، إلا ويعقبه إعلان للتسول وجمع التبرعات بصورة مؤذية للمحتاجين أنفسهم، خاصة لو كانوا من المتعففين وهم الغالبية الذين يفضلون الستر عن مد أيديهم أو إراقة ماء وجههم.

لقد بُح صوتنا ونحن نؤكد ضرورة عرض الحملات الدعائية على مسؤولى العلاقات العامة أو علاقات الجمهور داخل الشركات والمؤسسات، وأخذ رأيها بشأن الإعلان وتقييمه قبل عرضه على المشاهدين، أو يتم تقييم الإعلان بعين خبراء في مجال العلاقات العامة، لأنها تعى تماما ما يفضله المشاهد العادى ويتابعه المجتمع، وما هي أفضل الطرق لتوصيل فكرة ومحتوى الحملة الدعائية وتوقيتها وطريقة عرضها.

وتأخذنا الدراما التليفزيونية في رمضان 2021، إلى بعد آخر من أبعاد حالة الفوضى غير الخلاقة التي تعيشها قنوات التليفزيون بكل أنواعها.. ففي فترة الثمانينيات والتسعينيات كانت المسلسلات الاجتماعية مثل «ليالي الحلمية» و«المال والبنون» بدون مشهد واحد يسيء للمجتمع وبدون كلمة واحدة خارجة.. أما في رمضان الحالي سنجد مسلسلا بطله شخص سكير ويعيش مع سيدة بدون زواج أمام الجميع سنوات طويلة، وأنجب منها ابن لا يعرفه.. وفي مسلسل آخر يظهر لنا الصعيد الذي لا نعرفه، فسكانه محترفو قتل وإجرام، ويتبادلون الزعيق طوال الوقت، وعيونهم جاحظة وعلاقتهم مريبة وغريبة ويتاجرون في السلاح والمخدرات ويمارسون الرذيلة بدون خجل في بيوتهم أمام أولادهم وأخواتهم!!! فهل هذا هو صعيد مصر أصل الحضارة في العالم كله؟ وفي مسلسل ثالث نجد ملوك الصياعة ولغتهم غير السوية تدخل البيوت ويسمعها الشباب وينطلقون في الكلام بهذه المصطلحات الغريبة، ويلبسون نفس الثياب التي تخالف وتتعارض تماما مع الذوق العام المصري المتحضر.. فهل وظيفة الدراما هي نقل الشارع بكل مفرداته وموبقاته إلى داخل المنازل؟ بالطبع لا وألف لا.. فالدراما بدون فكرة تساعد على ترقية الوجدان وتحسين الذوق العام وتلطيف المشاعر، لا يمكن أن تكون دراما..

وإذا مرت هذه الكوارث بدون محاسبة من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وباقي الجهات ذات الصلة، المسؤولة عن ما يذاع على قنوات التليفزيون، وبدون الأخذ في الاعتبار رأي خبراء العلاقات العامة والاعتراف بأهمية وضرورة العلاقات العامة وخبرتها في تشكيل الرأي والذوق العام والالتزام بثوابت المجتمع وقيمه، وما يناسبه من عدمه، حينذاك سيكون الباقي الضئيل جدًا من قوة مصر الناعمة، التي تعب في بنائها فنانو مصر على مدى عشرات السنين بجهد وإبداع في كافة المجالات.. حينذاك ستكون هذه القوة المصرية السحرية، في خبر كان.

________

**خبيرة العلاقات العامة وممثل مصر بالجمعية الدولية للعلاقات العامة «IPRA»

(عن المصري اليوم)

التعليقات