الفريضة الغائبة عمدًا!

«هل فكرت فى السير فى مسيرة البحث حتى الوصول إلى الحقيقة؟».

سؤال على هامش «الفريضة الغائبة»، وأقصد «حرية التفكير»، سؤال عاصف أقرب إلى عصف ذهنى، طرحه الرئيس السيسى على المثقفين عبر قناة «صدى البلد» فى مداخلة هاتفية مع الزميلة «عزة مصطفى».

كما فهمت، وأرجو أن أكون مصيبًا، الرئيس يطالب أصحاب العقول بإعطاء عقولهم فرصة للتفكير بحرية للوصول إلى الحقيقة، فلا تحجر (أنت) على عقلك، دعه يفكر، افتح المسام لدخول الهواء النقى، وتنسم الأفكار الجديدة، وراجع ما قرره عليك آخرون كمُسلَّمات وقيدوك بها تحت مظلة قداسة مدعاة.

معلوم حرية التفكير فضيلة، وفى هذا يقول طيب الذكر شيخنا الجليل «محمد أبوزهرة»: «إن الحرية التى تملأ نفس العالِم ليست هى حرية الانتقال من مكان إلى مكان، إنما هى حرية الفكر وجولاته ونشر تفكيره وآرائه، وإن الحر حقًا وصدقًا هو الذى يفهم حرية رأيه وفكره قبل أن يفهم حرية جسمه».

حرية الفكر حافز لحرية الإبداع، وحرية الإبداع من حيوية الأمم الحية التى لاتزال تُعمل عقلها فى مسلماتها الماضوية، وحرية التفكير وجاء (عصمة) من الإرهاب الفكرى بمسوحه الدينية.

فى كتابه «حتى لا يعود هارون الرشيد» يقول عبدالله القصيمى: «إذا وُجد الإرهاب الفكرى فقد وُجد كل إرهاب، كما أنه إذا وُجدت الحرية الفكرية زال الإرهاب كله.. فلا حرية إذا لم توجد الحرية الفكرية، وإذا وُجدت فقد وُجدت كل حرية، ومن المستحيل أن نكون أحرارًا ما لم نكن أحرارًا فى تفكيرنا وفى التعبير عنه».

قضية الحرية الفكرية التى مسها الرئيس برفق، فى عمق قضية التجديد الفكرى المرتجاة، وهى مظلة جامعة لقضايا التجديد، تجديد الفكر الدينى، والاقتصادى، والاجتماعى، والتعليمى، والثقافى، والإبداعى، ومنه الفنى، لن يتغير حالنا إلا بإطلاق الطاقات الفكرية فى أجواء صافية مواتية.

يستوجب ألا نضيع رسالة الرئيس فى جدل سفسطائى، فلينفر المثقفون إلى المهمة الجليلة، فرصة سانحة تستوجب جهدًا مضاعفًا، نثر بذور الحرية الفكرية يستوجب حرثًا، تهوية التربة العطنة من مخلفات الصرف الفكرى، الأرض طبلت نشعًا، تشكلت سلطة تحريمية تقمع العقل، تحول دون التفكير، تطارد المفكرين، وهذا ما يستوجب مقاومته، بل وهزمه، والخلاص من ربقته فى ظل إرادة سياسية مواتية.

التسلط على العقل من الأمراض السارية التى استشرت مع تراجع الاجتهاد بمعناه الفكرى قبل الدينى، أخشى ليس لدينا مفكرون معتمدون، لدينا يقينًا مشتغلون بالفكر، ويقال سخرية منهم «عنده فكر» حجرًا على أفكارهم ووصمها بالخرف، نقتات الخرافة، وإذا تفكر فأنت تخرف!

تحرير الفكر يبدأ بتحرير إرادة التفكير من عقالها، إذا الرئيس يعمل خيرًا يكلف من المشتغلين بالفكر من يتوفر على إزاحة معوقات حرية التفكير، وإطلاق الأفكار بعيدًا عن كهوف الماضوية المظلمة، هناك قمع قانونى للتفكير بتهمة ازدراء الأديان، وقمع مجتمعى بالحسبة، وتسلط دينى بالتقديس، وتنميط ثقافى موروث على طريقة: «نتِّبع ما ألفينا عَليه آباءنا. أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يَهتدون» (البقرة/ ١٧٠).

"عن المصري اليوم"

التعليقات