جيل الزومبي

 

إلى أين تأخذنا الدراما وإلى أين تأخذنا الأغنية وإلى أين يأخذنا الفيلم السينمائي؟ والأخطر والأهم إلى أين يأخذنا البرنامج الإذاعى أو التليفزيوني؟ ألم يحن الوقت لنعرف أننا نعيش أزمة ثقافية وإعلامية وفنية غير مسبوقة، ألم يحن الوقت لندرك جميعنا أن هناك خللا كبيرا فى إدارة الملف الثقافى والإعلامى وأن هيمنة أى منتج أو أى غير متخصص فى المجال الثقافى والفنى والإعلامى سوف يؤدى إلى كارثة كبرى لن نستطيع أن نتداركها جميعاً، فما حدث بعد ثورة «يناير» من فوضى إعلامية و ثقافية وفنية والتداخل الإعلامى مع السياسى والدور السلبى الذى لعبه الكثير من المثقفين والذين ساندوا الجماعة على حساب الوطن وهللوا وصفقوا للعديد من الجمعيات الحقوقية الممولة وهم لا يدركون أن لها أجندة عالمية ودولية لتفكيك هذا الوطن وفق مخطط الشرق الأوسط الكبير الذى مهد الأرض عن طريق تلك الثورات والقلاقل ودعم الجيوش المرتزقة الإرهابية حتى نصل إلى حافة السقوط والهاوية ...
بعد ما حدث خلال تلك الفترة كان لابد من تغيير فى السياسة الثقافية والإعلامية عبر خطة ممنهجة ورؤية علمية سليمة يقوم بها أصحاب المهنة ممن يملكون أدوات الثقافة ومفاتيح الفكر والرؤية الإعلامية والفنية، وحتى إن كانت الدولة لها كل الحق فى الخوف على الوطن وعلى تكرار ما حدث من قبل من انفلات إعلامى وسياسى وثقافى أدى إلى الإرهاب وإلى الفوضى وإلى الدمار المجتمعى والاقتصادى الا أن الحال الآن يحتاج إلى وقفة حازمة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح ومحاولة رأب الصدع ووضع اليد على مواطن الضعف والخلل...
الثقافة ليست مهرجانات ولا موظفين ولا هيئات تخسر ولا تكسب من أجل الأصدقاء والمعارف والدوائر الصغيرة المغلقة التى تمنح جوائز وتصدر كتيبات وتقيم ندوات لا يصل مداها إلى أبعد من أحرف الغلاف وإطار الإعلان عن تلك الفاعليات، أما المسارح فبكل أسف انحصرت فى مسارح معظمها مهلهلة ومتهالكة يعمل بها الموظفون وهم على درجة فنان أو كومبارس ومن ثم صارت المسارح هى الأخرى غرفا ضيقة ليس لها أى تأثير فنى أو ثقافى أو مجتمعي، ولكن حصد الجوائز يكون للأحباب المحظوظين والجمهور والنقاد غائب تماماً عما يجرى وأموال تنفق وميزانيات تغطيها حفلات الأوبرا المرتفعة الأجر على الرغم من أن اتفاقية إنشاء الأوبرا كانت مركزاً للتعليم والثقافة للنهوض بالمجتمع، وليست اليابان التى تكفلت بالبناء والتصميم غافلة عن الدور المهم للثقافة وللثورة الفكرية والفنية ولكن ليس على غرار «أوبرا عايدة» و«بحيرة البجع» و«كسارة البندق» وتلك الطبقة المخملية أصحاب «مارى أنطوانيت» والجاتوه وإنما كان بناء الأوبرا الجديدة شعلة لإضاءة أنوار العقول المظلمة والقلوب الغلف لصحوة جديدة تقف فى وجه الإرهاب والتخلف والتردى الفكري..
وحتى قصور الثقافة التى أنشئت فى عهد الراحل دكتور «ثروت عكاشة» كانت فكرة نواة وأساس لإخراج وتأهيل جيل جديد من المبدعين والموهبين فى شتى أوجه الفنون والإبداع فكانت تلك القصور والجامعات مفتوحة لمن يرغب فى تأهيل ذاته ثقافياً وفنياً وكم من مكتبات بها ومراسم وقاعات للموسيقى والمسرح والسينما ولكن بقدرة قادر تقلص دورها وتحولت إلى متاحف وإلى مراكز لتعيين جيش الموظفين والمدراء فى وظائف لإسكاتهم أو لإرضائهم وماتت قصور الثقافة وانقطع رافد الفكر والفن والإبداع وصمتت أصوات المسارح وقاعات الموسيقى وأظلمت الشاشات والمراسم وخفت صوت الإبداع الحقيقى ليحل محله صوت «الشاكوش» و«البيكا» وجيل جديد يشبه الزومبى ليس لديه عقل أو فكر أو روح جيل...
عشر سنوات من الضياع جيل بلا تعليم ولا ثقافة ولا إعلام ولا انتماء... جيل مخيف له عيون شبقة إلى المادة وإلى الشهوة وإلى الغياب فى مخدر أو جنس أو عنف لأنها لم تسق إلا بالفراغ والهواء العفن ولم تعرف معنى الكلمة أو القيمة أو القدوة غير المسخ والتجريف والهيافة واللا شىء .. متى نفيق حتى لا يأكلنا هذا القادم المخيف ويقضى على حضارة آلاف السنين 
التعليقات