منافسات انتخابية!

فى مثل هذه الأيام كانت سرادقات الانتخابات تشتعل بالمنافسات الانتخابية، وكانت الدواوير فى الريف مراكز للحركة والتربيطات مع العائلات والقبائل، وكان المرشحون يبذلون قصارى جهدهم لحل مشكلات التوظيف والمصالحات بين العائلات.. أو حل مشكلات التصالح على مخالفات البناء والزراعات.. وكانت الدولة تستجيب لبعض هذه الطلبات أو تتخذ قرارًا عامًا بالتصالح فى المخالفات الزراعية والإسكانية.. وكانت هذه بداية للعشوائيات التى عشناها فى حياتنا، وجاءت حكومة السيسى لتضع حدًا لها الآن، إلى غير رجعة!.

والمثير أن هذه الإجراءات لم تكن ميزة على المدى الطويل.. والغريب أن الدنيا تغيرت، فلم يعد المرشحون يلجأون للناخبين لخوض الانتخابات، وإنما تغيرت الأوضاع وأصبحت الانتخابات تُحسم فى الغرف المغلقة.. وأصبحت لدينا قائمة توافقية واحدة وموحدة باسم القائمة الوطنية.. وخطرها بعيد أيضًا على الممارسة السياسية لا يقل عن العشوائيات والمخالفات الزراعية والبنائية.. وأصبح النائب يأتى بعيدًا عن إرادة الناخب، وامتنع الناخب عن الذهاب إلى الصناديق، وخسرنا مكسبًا كبيرًا من مكاسب الثورات، وهو المشاركة الفعالة فى الانتخابات والاستفتاءات!.

فهل تعلم مثلًا أن الانتخابات التى تجرى فى شهر أكتوبر القادم لمجلس النواب تمت صناعتها كاملة بعيدًا عن الشارع السياسى، وهل تعلم أن الانتخابات لم تعد فى مقدور المواطن العادى، وإنما فى مقدور رجال الأعمال والقادرين فقط؟.. وهل تعلم أن المنافسات القديمة بين المرشحين أصبحت منافسات على القائمة وليست على الجمهور المستهدف؟.. وهل تعلم أن القائمة استوعبت الذين دفعوا أكثر من الذين لديهم شعبية كما يتردد؟!.

وبالمناسبة، فالصحافة أيضًا كانت تنتعش فى موسم الانتخابات وتعتبره موسمًا للأخبار والشائعات، وكان القراء يعتبرونه موسمًا للقراءة ومعرفة الأسرار والعلاقات المتشابكة بين العائلات.. وكانت الصحافة تكتب عن كل شىء، ومعيارها المصلحة العامة وحق القارئ فى المعرفة.. الآن لم نعد نكتب عن القائمة الوطنية.. ولأن انتقادها يُعتبر تشكيكًا فى العملية الانتخابية، وهو غير صحيح تمامًا.. فلا أحد يشكك فى القائمة الوطنية، ولا فى أعضائها، إنما حق النقد مكفول للصحافة، وحق الرد مكفول للمتضررين!.

فمن الجائز عندنا انتخابات ولكنها ليست فى الشارع، وإنما نعرفها من الأخبار فى الصحافة والإعلام.. وفى الأيام الأخيرة سوف يتم تعليق بعض الدعاية للتدليل على الانتخابات.. فلم يعد المرشح يحتاج الدعاية لأنه حسم موقفه فى مكان آخر غير الشارع وغير الصناديق.. وهى المشكلة التى ستواجهنا مستقبلًا عندما يعزف الجمهور عن الانتخابات!.

هذا هو الواقع الآن.. لكنه واقع يمكن الوصول إليه بسهولة من خلال المظاهر العامة.. من حركة الدواوير والسرادقات الانتخابية، والتربيطات بين المرشحين ورؤوس العائلات.. الآن تُحسم الانتخابات بدخول القائمة، ويحجز النائب مقعده فى البرلمان قبل الانتخابات!.

التعليقات