أبطال ونص وثلاثة أرباع

لو سئلت عن أفضل ما شاهدت في رمضان على شاشة التلفزيون، سأقول إنه ظاهرة الدفع بعدد كبير من الممثلين والممثلات الرائعين والرائعات المبدعين والمبدعات الموهوبين والموهوبات ممن كانت الغالبية تجهل أسماءهم حتى ظهورهم المفاجئ المبهج على مدار 30 يوماً.

 

وبعيداً عن الاستمتاع الكبير جداً بمتابعة مسلسلي "الاختيار"، مع استمرار تحفظي الشديد على تحوله إلى مناظرة دينية بين مدرستين دينيتين ومبارزة فقهية حول إذا ما كان ابن تيمية هو "مفتي الدم والإرهاب" أم أنه أسيء فهمه عمداً أو بغير عمد، و"بـ100 وش" وكيف وقعت في غرام العصابة - فإن تقييم هذا العام يجب أن يدرج مكون فتح الأبواب التي ظلت موصدة بالضبة والمفتاح أمام عشرات المواهب والملكات والإبداعات والخبرات التي ظلت حبيسة هيمنة "النجم الأوحد" و"النجمة رائعة الجمال" و"النجم ملك البلطجة" وغيرها.
لا أريد أن أنسى أحداً، لكن أذكر على سبيل المثال لا الحصر – مع العلم أنني لم أتابع سوى المسلسلين السابق ذكرهما- محمود حافظ (سعد) وإسلام حافظ (معتصم) وضياء عبد الخالق (توفيق فريج) وعابد عناني (عماد عبد الحميد) وياسر عزت (سلمي المحاسنة) وعادل شعبان (الحاج سالم أبوعطوة) من "الاختيار".

ومن "بـ100 وش" شريف دسوقي (سباعي أو سبعبع) ودنيا ماهر (نجلاء) ومحمد عبد العظيم (عم سامح الضلالي) وزينب غريب (رضوى) وحسن أبو الروس (زيزو) وأسامة أبو العطا (سمير قريب عم غزال).

 

هذه الأسماء والقدرات والخبرات الفذة أطلت علينا عبر الشاشة لتنبئنا أن مصر ولادة حتى وإن أجهزت على أنفاس أبنائها وبناتها لبعض الوقت. هذه القدرات اللامعة المبهجة المطمئنة تقول لنا إنها لا تنتمي إلى فئة عمرية واحدة. بمعنى آخر، هم ينتمون إلى فئات عمرية مختلفة، وليس جميعهم من الشباب الذي مازال في أول الطريق ويبحث عن فرصة تمثيل. منهم من له باع طويل في الفن، لكن الانضمام لنادي الشهرة في مصر صعب، وشروطه بالغة الصعوبة تصل أحياناً إلى حد الإجحاف. ومنهم من أنجز مشواراً لا بأس به، ولكن في دوائر ذات مشاهدة وانتشار محدودين. ومنهم أيضاً من مازال في بداية الطريق شأنه شأن الآلاف غيرهم.
 
لكن المهم هو أن الملايين من المصريين والمشاهدين العرب حول العالم تابعوا العملين بجيوشهما الجرارة من المبدعين أمام الكاميرات وخلفها. والملايين أيضاً وجدت نفسها تصفق لممثلين وممثلات لا يعرفونهم بالضرورة، ولم يشاهدوا لهم أعمالاً من قبل. ويكفي مثلاً موجات البحث العنكبوتي عن "أبطال الاختيار" أو ممثلي "بـ100 وش"، مع جهود التنقيب عن صفحات هؤلاء المبدعين والمبدعات على مواقع التواصل الاجتماعي لتهنئتهم وكتابة بضع كلمات تعبر عن إعجاب بالغ. كل ذلك لا يعني سوى نجاح العمل.

وحين ينجح عمل درامي، ليس فقط لأن بطله صاحب العضلات المفتولة أو رصيد أدوار البلطجة المعروفة أو بطلته هي الفنانة رائعة الجمال طاغية الأنوثة نجمة الشباك، ولكن لأن كتيبة كاملة من الممثلين والممثلات حملت العمل على أكتافها ولم تكتفِ بالعبور به إلى بر الإنجاز والمشاهدة، بل رسخت أقدامه ليصل إلى قلوب وعقول ملايين المشاهدين.

 

ولا ينبغي أبداً إطلاق مسمى "الصف الثاني" على هؤلاء، بل ينبغي عدم إطلاق أي مسمى يندرج تحت بند التصنيف الذي من شأنه حبس صاحبه في خانة يصعب الخروج منها.
إنهم مبدعون ومبدعات. وفي كل مرة يظهرون أو يظهر غيرهم ممن هم مصنفون تحت بند "الصف الأول" في عمل هنا أو هناك، سيتم تقييم أدائهم، فإن أحسنوا نصفق لهم وإن أخفقوا ننبههم.
فقط اتركوا الأبواب مفتوحة، فلا تغلقوها على المصنفين "صفا أول" دون غيرهم، ولا تمنعوا غيرهم من الدخول والخروج. الفن والأبواب المغلقة والقيود والأغلال والتصنيفات الجامدة دونت ميكس. الفن يعني اعتناق سياسة الباب المفتوح.
ممثلو وممثلات دراما هذا العام غير المعروفين ليسوا فقط أبطالاً، بل هم "أبطال ونص وثلاثة أرباع".
(مصراوي)
التعليقات