«البتشنجان» والقفطان

وقف الزعيم المُهاب يخطب في مجلس الشعب الموقر إبّان أزمة الوحدة مع سوريا فقال: ولما رأيتُ ما يحدث أمرتُ الأسطول المصري أن يتحرك إلى شواطئ الشام، وهنا قاطعه النواب بتصفيق حاد رج أركان المجلس، ولم يكد التصفيق يخفت حتى استطرد زعيم الأمة: ولكنني رأيتُ أن الحفاظ على الوحدة العربية أهم من إخماد الحركة فتراجعت عن تحريك الأسطول، فانطلق تصفيق النواب الحاد مرة أخرى بأعلى مما كان!!

نعم.. كان النواب (وقتها) مبهورين.. متعجلين لإظهار تأييدهم المطلق، وحبهم الجم للزعيم الخالد والقائد الضرورة! فصفقوا للفعل وعكسه في نفس الدقيقة!!

.. ويحكى أن أميرا ـ يقال انه ربما الأمير بشير الشهابي أحد أمراء الشام في العهد العثمانلي ـ قال يوما لخادمه:

نفسي تشتهي أكلة باذنجان.

فقال الخادم: الباذنجان، بارك الله في الباذنجان هو سيد المأكولات، لحم بلا شحم، سمك بلا شوك، يؤكل مقليا، ويؤكل مشويا، ويؤكل محشيا، ويؤكل مخللا، ويستخدم في السلطات، ويصنع منه المصريون طواجن «المسقعة» الشهية، ويدلعه الشوام ويسمونه بباغنوج.. من الغنج والدلال.

فقاطعه الأمير: ولكني أكلت منه قبل أيام فنالني منه ألم في معدتي.

فقال الخادم: تقصد الباذنجان؟

لعنة الله على الباذنجان..

فإنه ثقيل، غليظ، نفاخ، أسود الوجه، ما استدخل في طعام إلا خربه، ولا تم تحميره في وعاء إلا وأفسده.. لعن الله باباه وغنوجه.

فقال له الأمير: ويحك.. تمدح الشيء وتذمه في وقت واحد؟!

فقال الخادم:

يا مولاي، أنا خادم للأمير ولست خادما للباذنجان، إذا قال الأمير نعم، قلت له نعم وألف نعم، وإذا قال لا.. صرخت لا وألف ألف لاااا!!!!

وحكى لي صديق أثق برأيه أنه حضر نقاشا بين مسئول كبير أسبق وبرلماني، وكان المسئول محتدا بشأن تأخر موافقة المجلس على إقرار أحد القوانين التي كانت «الهانم» زوجة المسئول أبدت اهتماما به، ويبدو أن البرلماني «خانه ذكاؤه» وفهم خطأ ان المسئول يريد «وأد» القانون فانبرى مؤكدا أنه قادر بعون الله ثم بالقانون على أن لا تقوم لمشروع القانون ذاك قائمة، وألا يرى النور أبداً!!

ولما بدت ملامح الدهشة والغضب على وجه المسئول أسقط في يد البرلماني وقال: بص سيادتك أنا بعون الله وبسيادة القانون أحسم لك الأمر كيفما شئت وبالسرعة التي تريد سواء هكذا ـ وأشار بظهر يده اليمنى جهة اليمين ـ أو هكذا وأشار بظهر يده اليسرى جهة اليسار.

ثوان وضج المسئول الكبير الأسبق بالضحك، وقال للبرلماني: ده إنت على كده ترزي قفاطين مش بتاع قوانين!!

.. تذكرت القصص الثلاث، وأنا أتابع أداء بعض إعلاميينا الذين تقمصوا دور طباخ «البتشنجان» والمصفقاتي وترزي القفاطين في نفس الوقت دون محاولة إلقاء الضوء على السلبيات حتى يسهموا في لفت الأنظار لها فتتحول إلى إيجابيات ليصفقوا لها لاحقاً كيفما أرادوا بعد معالجتها!!

مطلوب وبشدة تعريف الناس بالإنجازات حتى تزداد ثقتهم في القيادة السياسية، وقد طالبت بذلك مرارا، ولكن فجأة «استمرأ» بعض الإعلاميين التصفيق، وأشاحوا بعيونهم عن رصد أي سلبيات.. وكأننا أصبحنا نعيش في «المدينة الفاضلة».

وحتى لا يحتار أحد في إعادة «تصنيفي» أؤكد أنني مؤيد للقيادة السياسية، ومقدر لما يحدث على أرض المحروسة من إنجازات بل ومعجزات، ولكن يا سادة يا كرام.. قليل من «الاعتدال».. ميضرش!!

وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء

التعليقات