حكايات وليالي الدراما

منذ أن كتب «أسامة أنور عكاشة» «ليالى الحلمية» عن المجتمع المصرى ما بين المدينة الراقية والحارة الشعبية والريف المتأرجح بين الانتماء للأرض وبين الرغبة فى التغيير نحو التجارة أو الصناعة فى تلك الملحمة الخماسية الأجزاء التى عبرت وصورت مصر الحديثة بداية من الحرب العالمية الثانية حتى ثورة يوليو ونكسة 1967 وأخيرًا مرحلة الانفتاح والتحول الاقتصادى إبان حكم مبارك وبداية سطوة الجماعات الارهابية وجماعة الإخوان المسلمين، كل هذا فى نسيج درامى حكائى بنى على شخصيات حية تجمع بين الواقعية والخيال وتقترب بصدق وحميمية من المشاهد لدرجة التماهى والتعارف الإنسانى فنجد العديد من أبطال ليالى عكاشة مازالت تعيش فى وجدان وضمير أجيال تجد فيها لوحة بشرية تاريخية تحكى عن مجتمع مصر الذي تحول وتغير وتمدد ما بين أطياف وطبقات ومشاعر وأفكار عن باشاوات وعمد وفلاحين وعمال وصحفيين وفنانين وبائعين وأصحاب مقاهٍ وأصحاب فكر ورأى ومبادئ ومناضلين وتجار عملة ومخدرات ومدعى تدين وأنصاف موهوبين ومتعلمين وبذور إرهاب وتطرف ودروشة ومرض نفسى وتعدد أزواج وزوجات وسياحة واستثمار وشركات ومصانع نسيج وسيارات وأجهزة وضباط وأجهزة مخابرات ونيابة وقضاء وكل ما يمكن أن يتواجد فى مجتمع خلال نصف قرن من الزمان، لذا فإن «ليالى الحلمية» لا تقل روعة وإبداعًا عن ثلاثية نجيب محفوظ التى رصدت الحياة المصرية فى رواية ذات ثلاثة أجزاء بداية من ثورة 1919 حتى بداية الحرب العالمية الثانية.. لذا فإن الليالى كانت تحكى وتمتع وأيضًا ترصد وتسجل وتوثق شكل ومظهر الحياة فى مصر خلال تلك الفترة الفارقة من تاريخ مصر الحديث والتى شهدت عدة أحداث تاريخية وحربية أثرت على الاقتصاد والسياسة وموقع مصر كما أثرت سلبًا على الشخصية المصرية وسلوكها وأفكارها وكيف بدأ وحدث ذلك الانقسام الفكرى داخل أحضان وطن عاش آلاف السنين فى لحمة وتآلف وتجانس مع الحضارات والأديان والثقافات حتى مع الغزاة... ولكن أن نجد أعمالًا تتحدث عن ليالى «أوجينى» وهى ملهى «ليلي» يحكى حياة حب وخيانة ورغبة فى الغناء من خلال أربع أسر كل منها يعيش فى بوتقة أفكاره وعاداته ولا يتمازج مع التاريخ ولا الجغرافيا فلا نعرف الفترة الزمنية والأحوال السياسية والاقتصادية لتلك الليالى وأيضًا تأثير المكان على الأشخاص والأحداث والصراع، ومع هذا كان للتمثيل والأداء والرقى فى التصوير والحوار نجاح جماهيري لهذا العمل مما استدعى آخرين لأن يحاكوا هذا النجاح البسيط فينتجوا عملًا جديدًا يكون بطله «إياد نصار» باسم «حكايات الشانزليزيه» وهنا نستدعى حكايات شهر زاد وليالى عكاشة ونتصور أننا سوف ندخل عوالم جديدة تقدم لنا صورة حية وممتعة للمجتمع المصرى وإن كانت الخمارات والبارات لا تتوازى ولا تعادل الليالى فى المقاهى التى كانت مركزًا للحوار وللأفكار والالتقاء الأصحاب والمناضلين والمثقفين والعمال والفلاحين حيث إن المقهى له طبيعة تختلف جملةً وتفصيلًا عن البار الذى هو ملتقى السكارى والمعربدين والفاسدين والفاسقين حتى وإن غنت فيه مطربة متميزة جدًا وأبدعت ولكنه يظل ذا طبيعة تختلف عن المقهى، ولهذا فإن ذلك المسلسل عن حكايات البار الذى يحمل اسم شارع فرنسى كانت بداية غير موفقة دراميًا وفكريًا كما أن أى عمل فنى درامى تكون له رسالة فنية ويحمل قيمًا وروئ يقدم شخوصًا تشابه أناسًا عرفناهم أو نعرفهم أو حتى تشابهنا نحن المشاهدين ولكن هذا العمل يغرق فى التمثيل والملابس المبالغ فى أناقتها والمكياج الذى لا ينتمى إلى تلك الفترة الزمنية وإنما هو تصنع شديد حتى استخدام فواصل من أغانٍ قديمة لا يرسم صورة حقيقية واقعية عن تلك الفترة وفى النهاية فإنه قصة قتل لأفاق فاسد وعلاقته بأربع نساء هذه هى الحدوتة وتلك هى الحكايات التى تقدمها الدراما الجديدة.

 

(الوفد)

التعليقات