وسقط البشير

سقط البشير بفعل انتفاضة شعبية عظيمة شارك فيها ملايين الشعب السودانى وانحازت لها الجهة الأكثر تنظيما فى البلاد وهى الجيش، حين أعلن عن تأسيس مجلس عسكرى انتقالى لمدة عامين مما ذكر الكثيرين بتجربة الثورة المصرية.

ويقينا فإن البشير هو واحد من أسوأ الرؤساء الذين حكموا السودان لمدة 30 عاما، وكان نموذجا للفشل فى السياسة والاقتصاد أدى إلى تقسيم البلد وانفصال جنوبه، وإن ثورة الشعب السودانى كانت ضد حكم إخوانى تحول فى الواقع من حلم وأمل لدى البعض إلى كابوس استبدادى قاس.

إن عدم وجود قوى مدنية تقنع الشارع والنظام السابق بالبدء فى عملية انتقال ديمقراطى تضم الحكم (بعد استبعاد كل من ارتكب جرائم) والمعارضة، والإصرار على التنحى الفورى للبشير وكل رموز حكمه لا تركه حتى موعد انتهاء مدته الرئاسية فى نهاية العام، كان من نتيجته، كما هو معروف مسبقا، هو قيام القوى الأكثر انضباطا وتنظيما فى أى مجتمع أى الجيش بإدارة المرحلة الانتقالية، بما يعنى أن بكاء البعض أو رفضه لهذا المسار تبدو أمرا غريبا، خاصة أنهم كانوا الأكثر رفضا لأى حوار سياسى مع أى جناح داخل النظام القديم.

إن بناء نظام جديد فى السودان يستلزم توافقا بين القديم والجديد، خاصة أنه لا توجد قيادة سياسية محل توافق من القوى الشعبية والشبابية، بما يعنى أن رفض ما يطرحه المجلس العسكرى باعتباره جزءا من النظام القديم دون وجود بديل مدنى متوافق عليه سيعنى سقوط البلاد فى حالة فراغ تفتح طريقا مفروشا بالورود لتحويل الحكم العسكرى الانتقالى إلى حكم دائم.

ستبقى مشكلة تجارب الثورات العربية فى تلك النظرية الخاطئة التى ترفع طول الوقت شعار «إسقاط كل أركان النظام القديم» وتختزلها فى إقصاء كل رموزه، وتنسى أو تتناسى أن إسقاط النظام القديم لن يتم عبر انتفاضات فى الشارع قد تغير كل الوجوه القديمة ولكنها ستبقى المنظومة القديمة و«تركب» عليها فقط وجوه جديدة ستنتج بالحتم نفس النظام القديم. إن المطلوب هو تفكيك المنظومة القديمة بإصلاحات تدريجية تبحث دائما عن الرجل الجسر أو المصلح الجراح (عنون مقال لى قبل ثورة يناير مباشرة) بين القديم والجديد، وهى إجراءات تحتاج إلى مؤسسات سياسية قوية وأفكار جديدة وكوادر قادرة على البناء لا فقط الهدم.

أخطر ما يمكن أن يتعرض له السودان، الذى يعانى من ضعف مؤسساته، هو أن تختلف القوى الأمنية والعسكرية فيما بينها على المسار الانتقالى (هناك بعض المؤشرات على ذلك) بما يعنى خلخلة الجيش من داخله، وعندها سينتظر الجميع رجل النظام القوى القادم من الجيش ليواجه تلك الحالة بقوة وصرامة، وهو خيار قد يبدو أملا فى بعض المجتمعات التى تعانى من ضعف مؤسسى، وتصبح الفوضى والاقتتال الأهلى خطرًا حقيقيًا.

التعليقات