وزارة البيئة بين الإلغاء والإبقاء

أثيرت أخيرا مطالبات بإلغاء وزارة البيئة في مصر على خلفية تقرير لمجلة "فوربس" بأن القاهرة أكثر المدن تلوثًا في العالم في الضوء والضوضاء والهواء.. واقترحت النائبة شيرين فراج إلغاء الوزارة وتشكيل لجنة تقصي حقائق عن أداء قطاعات الوزارة.

ونعرف أنه بعد تقرير مجلة "فوربس" ردت وزارة البيئة بنفي ما جاء في المجلة، واعتبرته تشويها للدولة المصرية.

من حق وزارة البيئة أن تنفي ما جاء في التقرير، وأن تضعنا في صورة الحقائق بالأرقام والإحصائيات الصحيحة، لكن استخدام قصة الـ"تشويه" قديمة ومرفوضة، فلم تجد المجلة نعيما مقيما في القاهرة، واخترعت التلوث لتشوه الدولة المصرية.

قد تكون الوزارة مظلومة؛ لأن العبء ضخم كما يري أمين لجنة البيئة في مجلس النواب، والحقيقة أن المسئولية ينبغي ألا تقع على عاتق هذه الوزارة وحدها، ولكن الوزارة أيضا على الأقل يجب أن تقدم للحكومة ولكل الوزارات تقارير عن حجم الكارثة البيئية التي نعيشها، وأن تقدم أيضا مقترحات للحل..

وينبغي كذلك أن تتعامل مع تقارير مثل ما هو منشور أخيرا في مجلة "فوربس" بكل الجدية وعدم التشكيك..

نحن نعيش في القاهرة ونرى بقية المدن والمحافظات ولا أحد منا يرضى عن مستوى التلوث الذي وصلنا إليه في الهواء والغذاء من خضراوات وفاكهة وعوادم المصانع وفي وسائل النقل وفي الدخان المنبعث برائحة كريهة من عديد من السيارات؛ ليبث سمومه عبر الهواء إلي السيارات المحيطة والتجمعات السكانية وضوضاء آلات التنبيه الرهيبة التي تصم الآذان.

وكما قال لي مواطن إننا نخنق بهذا التلوث، وعندما يموت البعض لا يعرفون لماذا ماتوا، والمرض الذي ابتلوا به من أي نوع من أنواع التلوث التي تحاصرنا..

مأساة التلوث لها شقان، صحي حيث الأمراض التي تصيب المواطنين من جراء التلوث، وشق حضاري من الشكل العام الذي يصيب المصريين بالإحباط والاكتئاب ويخفض لديهم مستوى الرضا العام عن بلدهم حكومتهم وأنفسهم..

والمصريون هم الذين يلوثون بلدهم، صحيح، لكن للدولة دور مباشر بما في يدها من ترسانة قوانين لمنع هذه الفوضي، ولهذا خُلقت الحكومات، هذا دورها الذي انتخبت من أجله، والذي تجمع بسببه الضرائب من كل فرع ونوع وصنف.

ولم نكن في انتظار تقرير "فوربس" لنعرف مستوى النظافة في مصر، نحن نراه في الشارع يوميا، وكذلك على درجات سلم البيوت التي نسكنها، حتى ولو كانت في "كمباوند"؛ لأن غير الحريصين على النظافة ليس بوسعهم تغيير سلوكياتهم من تلقاء أنفسهم، وإنما بالقانون الرادع، وهو موجود، ولكنه غير رادع؛ لأنه غير مفعل.. القانون موجود والكاميرات أمام المحال التجارية وعدد من الشوارع، ولكنه لا يطبق على الذين يلقون بالقمامة في نهر الطريق، وعلى أصحاب السيارات الذين يلقون بعلب المياه الغازية والأكياس وخلافه من نافذة السيارة، والقانون غير مفعل في التلوث البصري الذي نراه في كل مكان مسموح أو غير مسموح فيه بالبناء.

القانون موجود، ولكنه غير مفعل في وقف تلويث نهر النيل، وهي القضية القديمة جدا من دون حلول نهائية، وتلويث الترع والمصارف بالمخلفات وبقايا العظام للأبقار والجمال والدواجن.

ترع مثل الترع في مصر لو كانت في مكان آخر في العالم لامتدحها الشعراء بأسمائها وتم تخليدها في التاريخ، ولكن التلويث يستمر حتى يصدر قرار بالردم أو التغطية في أحسن الأحوال..

وبغض النظر عن وجود الوزارة أو إلغائها، فإن هذا لن يغير من الحقائق التي نعيشها؛ لأن التغيير سيكون بإصرار حكومي، وباستخدام كل التشريعات الملزمة لوقف هذه المهزلة.

هل يعقل أن يتنفس سكان العاصمة الهواء الملوث بنسبة أعلى من المعدل العالمي بأكثر من 11 مرة، دون أن نعرف ما هي إستراتيجية وزارة البيئة والحكومة لتحسين المؤشرات البيئية في مصر، تخفيض مستوى الضوضاء، وتحسين نوعية الهواء والماء، وخفض الانبعاثات الضارة.

إن الفشل في حل هذه الأزمة يعني زيادة عدد المرضى والذي يعني استهلاك وقت الموظف أو العامل أو الطالب في العلاج، ويعني تدني الصحة العامة، وارتفاع فاتورة الصحة في الحكومة وعند العائلات المصرية التي يمكن أن تصرف كل ما تملك لتعالج أثر كوب ماء ملوث، أو أغذية ملوثة، أو هواء محمل بعادم السيارات، أو آثار لكلاب ضالة وقطط وحيوانات، مما يؤثر على ميزانية الدولة والأسرة معًا.

وللأسف يساهم في زيادة الأزمة تراجع دور المدرسة فيما يخص التربية، التي ينسى الجميع أنها الجزء الأول من الوزارة، وعدم الاهتمام بالتدريس والتطبيق العملي لنظافة البيئة..

وأرى أن وجود وزارة البيئة ضرورة، ولكن يجب أن تنشط في الرصد والمتابعة والاقتراحات، وإن لم تفعل فوجودها ضرورة أيضا؛ لأنها ستذكرنا طوال الوقت بخيبة الأمل.

(الأهرام)

التعليقات