البطالة.. والأمن في مصر

يدور معدل البطالة في مصر حاليًا حول نسبة 10% من عدد المصريين القادرين على العمل، وغالبًا ما تتراوح أعمارهم ما بين 15 سنة و60 سنة.. وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد قال في شهر مايو الماضي، إن نسبة البطالة باتت 10.6% في الربع الأول من هذا العام، مقابل 12% من الربع الأول من العام الماضي.. ترجمة هذه النسب تعني أن عدد العاطلين من القادرين على العمل بلغ 3 ملايين و94 ألف مواطن في الربع الأول من العام الحالي.

ثم عاد الجهاز قبل أيام وأعلن عن تراجع جديد في معدل البطالة خلال الربع الثاني هذا العام (أي من أبريل حتى يونيو) إلى 9.9%، أي أنه نزل عن حاجز الـ10%، وبالأرقام فإن عدد القادرين على العمل في مصر يبلغ 29 مليونًا و36 ألفا من الذكور والإناث، من بينهم 2 مليون و875 ألف عاطل، وطبقًا للنوع فإن عدد العاطلين من الذكور نسبتهم 6.7%، ومن الإناث 21.2%؛ أي أن البطالة في الإناث أكثر من ثلاثة أضعاف الذكور، أما أكثر المتعطلين الذين لا يجدون فرصة للعمل فهم من المرحلة العمرية من 15 إلى 29 سنة، أي مرحلة الشباب، وأن البطالة في المدن أكثر من الريف، وفي حملة المؤهلات أكثر من غيرهم.. كل هذه أرقام رسمية على صفحة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ورغم هذا التراجع الأخير هذا الشهر يظل معدل البطالة مرتفعًا، ليس مقارنة بدول أخرى، وإنما في مصر ذاتها، وفي وقت من الأوقات كان معدل البطالة 1.5% فقط سنة 1972، وكان 2.2% سنة 1960.

نعود إلى أرقام الجهاز الأخيرة، وهي تعني أن أعدادًا كبيرة تعاني البطالة، ولا تعيينات في الجهاز الحكومي أو المؤسسات التابعة بشكل أو بآخر للحكومة، بسبب التكدس في هذه المؤسسات، فقد وظفت الحكومة أعدادًا كبيرة في السابق تحولت مع الوقت إلى بطالة مقنعة، ولم تعد قادرة على التوظيف الآن.. كما أن العثور على وظيفة من الأمور الشاقة، وتكاد تكون مستحيلة.

والأسباب متعددة؛ وعلى رأسها عدم ربط التعليم باحتياجات سوق العمل، وفشل المدارس الصناعية في تقديم هذه الاحتياجات، خصوصًا الفنية والمهنية، وغياب التدريب المستمر في معظم المؤسسات.. إلى آخر قائمة طويلة من الأسباب.

لكن البطالة وبرغم أعبائها المالية وأبعادها المجتمعية والنفسية لها علاقة في غاية الأهمية بالأمن.. وهو ما رصدته دراسة للنقيب د.مجدي محمد جمعة ونشرتها المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية، بعنوان "تأثير البطالة على الأمن في مصر.. المشكلة وآليات المواجهة".

واتخذت الدراسة من الـ 50 سنة الماضية وعاء زمنيًا لها ومن المناطق العشوائية إطارًا مكانيًا، فقد ربط الدكتور جمعة بين قضية البطالة ومشكلة إسكان المناطق العشوائية، ومن المؤكد أن السكان برغم جهود الدولة في تطويرها يزدادون في هذه المناطق مع ارتفاع معدلات البطالة، وهي علاقة طردية، وتتراجع أعداد قاطني العشوائيات مع انخفاض البطالة.. لأن الإنسان يعمل ليرفع مستوى معيشته، ومن ذلك سكنه، وإذا لم يجد عملًا تتساوى عنده الأشياء وتغيب الفوارق والفواصل بين الحياة الآدمية وغير الآدمية.. والأكثر من ذلك كما في الدراسة فإن البطالة التي تقود البعض إلى السكن في المناطق العشوائية، هي تأخذ بيدهم في الحقيقة إلى حياة "معيشية متدنية نتيجة الازدحام ومخالفة قوانين تنظيم البناء وانعدام الخصوصية" بخلاف "تفشي الفقر والجهل والمرض والمخدرات والإدمان والشعور بالحقد على المجتمع الحضري"، و"كذلك ما تحتويه من بؤر إجرامية وإرهابية وأخطار على الأمن القومي التي هي مسئولية الجميع".

أما المدخل الصحيح لمواجهة مشكلة البطالة في مصر فإنه يرتكز عند الدكتور جمعة على أسس ثلاثة:

- تحقيق طفرة تكنولوجية في القطاع الزراعي.

- إنعاش القطاع الخاص الوطني؛ لاسيما في مجال الأنشطة المرتبطة بديناميكية النهضة الزراعية.

- تهذيب وتوجيه تدفقات العمالة إلى القطاع غير الرسمي؛ من خلال تدخل الدولة لعلاج ما يشوب نشاطه من سلبيات اقتصادية أو حضارية أو أخلاقية، والحد من التدفق العشوائي للهجرة من الريف إلى الحضر.

وقد لمس صاحب الدراسة نقاطًا في غاية الأهمية للحد من حجم البطالة؛ مثل قيام الحكومة بتأسيس أعمال إنتاجية كثيفة العمالة، وقيام المجتمع المدني بتدريب وتأهيل تحويلي لفئات قادرة على العمل، في التخصصات التي تحتاج إلى عناصر مدربة من العاملين والمهنيين.

ولاحظ الدكتور جمعة، أن المناطق العشوائية تصبح حقلًا خصبًا لانتشار ظاهرة المخدرات وللجريمة بمختلف أنواعها وتدهور الحالة الصحية لسكانها، وتدني الخدمات المقدمة لها، وانتشار الأمية والبطالة وضعف الشعور بالانتماء، وتزايد العنف، كما تعد من أهم بؤر أصحاب الفكر المتطرف والإرهاب، ورصد صاحب الدراسة تأثير البطالة والمناطق العشوائية على تشكيل السلوك الانحرافي للفتيات والشباب والمراهقين والأحداث.

وأكد أن بيئة الفقر والتخلف مسئولة عن الميل إلى إنتاج الكثير من الأطفال، وبالتالي الزيادة السكانية التي لا نرى أملًا في الحد منها في المدى المنظور.

وخلصت الدراسة إلى نتيجة مهمة هي أن المدخل الصحيح لمواجهة مشكلة البطالة في مصر هو فرض قوى التطور الحضاري، عن طريق تشديد وتنفيذ التشريعات والقوانين الخاصة بحظر السكن في المباني الأثرية والمقابر، والبناء على الأراضي الزراعية، في الوقت الذي يتم فيه مواجهة مشكلة البطالة بأشكال علمية مدروسة.

(الأهرام)

التعليقات