"جرجوب".. من مكان مجهول لصيد الإسفنج إلى قاعدة بحرية عملاقة

الموقع الاستراتيجي كنز يظل في انتظار من يكتشفه ويلتفت إليه ولو بعد قرون.. هكذا أصبح اسم منطقة "جرجوب" بالنجيلة بمحافظة مرسى مطروح، مرتبطا بقاعدة 3 يوليو البحرية، التي افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، على الاتجاه الاستراتيجي الغربي.

ثمّة معلومات قليلة للغاية عن جرجوب التي باتت تحتضن واحدة من أكبر القواعد البحرية في الشرق الأوسط، وتنتظرها أيضا مشروعات اقتصادية كبرى يجري العمل عليها منذ سنوات، لكن المعلومات المتوفرة تؤكد في رسالة من عشرات السنين كيف تحظى هذه المنطقة التي كانت مجهولة للدولة المصرية بأهمية إستراتيجية كبرى.

جيران جرجوب في القاموس الجغرافي

بدايةً، لم يرد ذكر جرجوب في "القاموس الجغرافي للبلاد المصرية" لمحمد رمزي، لكن المؤلف استعرض في الجزء الرابع البلاد القريبة منها والمعروفة لنا جميعا. ومن الجدير بالذكر أن التقسيم الإداري لمصر حتى وقت صدور القاموس في عام 1945، لم يكن يعتبر مرسى مطروح محافظة أو مديرية قائمة بذاتها، ولكنها كانت فقط جزءًا من محافظة كبيرة اسمها "الصحراء الغربية".

على أية حال، فإن أقرب مكان لجرجوب ورد في القاموس هو "النجيلة" وهي المدينة التي تتبعها إداريا، وعنها كتب محمد رمزي: "تعرف بزاوية النجيلة، هي نجع، واقع على البحر الأبيض المتوسط، غربي مرسى مطروح، وعلى بعد 63 كيلومترا منها، ولها طريق خاص، يخرج من الطريق الموصلة بين مرسى مطروح والسلوم، ومبينة على الخريطة باسم "زاوية النجيلة" ولها على البحر "مرسى أو نجيلة".

أما بالنسبة إلى "أم الرخم" الواقعة شرق جرجوب بقليل، فيسجل القاموس الجغرافي أنها "قرية صغيرة، واقعة بقرب البحر الأبيض المتوسط، غرب مرسى مطروح، وعلى بُعد 21 كيلو مترا منها، وبينهما طريق قريبة من البحر".

خليج صغير لمراكب صد الإسفنج 

في كتاب "البحرية في عصر سلاطين المماليك" لإبراهيم حسن سعيد، دار المعارف 1983، يقول المؤلف إن جرجوب هو مرسى صغير يقع إلى الغرب من مرسى أم الرخم، موضحا أنها عبارة عن "خليج صغير صالح لإيواء السفن الصغيرة وتلجأ إليه مراكب صيد الاسفنج التي تعمل في هذه المنطقة حيث يكثر حول الصخور".

جرجوب بعد تعيين الحدود بين مصر وليبيا

نأتي إلى المصدر الأكثر أهمية على الإطلاق، وهو "الخطط التوفيقية" لعلي باشا مبارك، 1887، والذي إن لم يمدنا بمعلومات وفيرة ومحددة عن جرجوب، فقد أبرز لنا أهمية هذه المنطقة.

يأتي ذكر منطقة جرجوب في مؤلف علي مبارك من وحي كلامه عن الأهمية التي أولاها محمد علي باشا وأسرته لمدينة الإسكندرية، لما تمثله من أهمية تجارية عظيمة. ويشرح "مبارك" أن جهود العائلة العلوية عمدت إلى "كشف المسالك الموصلة إليها (أي الإسكندرية) ومعرفة ما اشتملت عليه تلك الطرق مما هو من لوزام الحياة كالمياه العذبة والمراعي وحطب الوقود وجلب المبرة ومنع الأعداء"، مؤكدا أهمية معرفة كل ذلك في وقت السلم للانتقاع به عند وقوع الحرب.

ويوضح مبارك في خططه التوفيقية أن من ثمرات هذا الاهتمام باستكشاف الطرق المؤدية إلى الإسكندرية، تعيين الحدود بين مصر وإيالة طرابلس (ليبيا)، بعد أن كان قبل ذلك مبهمًا.

والملفت في الأمر من واقع ما يسرده علي مبارك، أن جهود معرفة الحدود الغربية لمصر أقرت في البداية أن مطروح هي الخط الفاصل، بل أن الأمر بقي على ذلك إلى زمن الخديوي قبل أن يتضح أن الحد الحقيقي هو ناحية السلوم، التي تبعد عن الإسكندرية بمائتين وخمسة وعشرين ميلا.

منطقة خربة لراحة العرب المسافرين

ويشير رائد التعليم إلى أن هذه الجهود نتج عنها معرفة عدد من المحطات أو المواقع على الساحل الغربي الشمالي، من السلوم إلى الإسكندرية، والتي كان العرب يحطون فيها في أسفارهم. ويعدّد علي مبارك المواقع التي أصحبت معروفة والمسافات بينها، من أبو صير إلى مطروح، مرورا بسيدي عبد الرحمن وتنوب وأبي جراب ورأس العقيلي ورأس الكناس. ثم يجئ ذكر "جرجوب" أخيرا، قائلا إنها منطقة خربة المسافة بينها وبين مطروح 30 ميلا، ثم يسجل أن المسافة من جرجوب إلى السلوم على الحدود بين مصر وليبيا 75 ميلا.

غير أن "مبارك" يشير أيضا إلى علاقة جرجوب بصيد إسفنج البحر فيروي: "في هذه الأيام صار الشروع في استخراج صنف السفنج (الاسفنج) من البحر ابتداءً من أبي صير لغاية السلوم وذلك بمعرفة ملتزم التزمه من الحكومة على شروط مقررة بمدة عشر سنين".

منع تملك الأجانب في المنطقة

ويلفت علي مبارك إلى الأهمية الاستراتيجية للساحل الغربي لمصر على البحر المتوسط، ويروي: "لما كثر الافرنج والأغراب في مدينة الإسكندرية واستوطنوها واستحوذوا على كثير من الفضاء الذي كان بداخل المدينة وضواحيها رغبوا ف سكنى الرمل وهي قرية شرقي المدينة بينها وبين ابي قير وأكثروا من شراء الأملاك في هذا المحل لقلة ثمن الأرض هناك".

ويختم: "تيقظت الحكومة لذلك لما لتلك الجهات من الأهمية لوقوعها في المناطق العسكرية الممنوع البناء فيها فامرت بضبط ما بيع من هذه الأراضي وبيان ما بُني وما يلم يُبن منها ومنعت التصرف في أراضي الرمل وغيرها إلا بإذن من الحكومة وجعلت لذلك قوانين تتبع في هذه الأمور".

التعليقات